المحتويات
1 : المقدمة
2 : قال المؤلف رحمه الله
3 : الشرح
بيان أن الله تعالى ليس جسما وأنه لا يحويه مكان
بيان أن الله تعالى لا شبيه له في الذات والأفعال والصفات
بيان الصفات الواجبة لله تعالى
الكلام عن الأنبياء عليهم السلام والصفات الواجبة لهم
الكلام عن الصحابة الكرام وترتيبهم في الفضل
الإيمان بأخبار النبي ﷺ: من علامات الساعة وأمر القبر والقيامة
4 : الخاتمة
5 : المصادر
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعدُ:
المقدمة
إِنَّ المُفلِحَ هُوَ الَّذِي اتَّبَعَ نَهجَ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَعَقِيدَتَهُ السَّنِيَّةَ وَوَحَّدَ رَبَّهُ وَنَزَّهَهُ عَنِ النَّظِيرِ وَالمَثِيلِ، وَالعَاقِلَ الفَطِنَ الذَّكِيَّ هُوَ مَن بِدِينِهِ اغتَنَى، وَلِأَمرِ اللهِ انحَنَى، وَاستَسلَمَ وَسَارَ عَلَى دَأبِ الكِرَامِ الأَكَابِرِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَ أَئِمَّةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ المُهتَدِينَ فِي نَشرِ عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ، نِبرَاسِ الحَقِّ وَمِيزَانِهِ وَبَيَانِهَا لِلنَّاسِ، فَمِمَّن نَالَ شَرَفَ بَيَانِ عَقِيدَةِ الإِسلَامِ عَبدٌ غَنِيٌّ بِعِلمِهِ قَوِيمٌ بِنَهجِهِ هُوَ الشَّيخُ عَبدُ الغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ المُتَوَفَّى سَنَةَ (1143هـ) الَّذِي نَظَمَ أَبيَاتًا بَيَّنَ فِيهَا هَذِهِ العَقِيدَةَ المُبَارَكَةَ وَهَذَا حَلٌّ لِأَلفَاظِ بَعضِ هَذِهِ الأَبيَاتِ المُسَمَّاةِ “مُقتَضَى الشَّهَادَتَينِ لِلنَّابُلُسِيِّ” الَّتِي فِيهَا بَيَانُ العَقِيدَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَصحَابُهُ وَمَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ.
قال المؤلف رحمه الله
مَعرِفَةُ اللهِ عَلَيكَ تُفتَرَض *** بِأَنَّهُ لَا جَوهَرٌ وَلَا عَرَض وَلَيسَ يَحوِيهِ مَكَانٌ، لَا، وَلَا *** تُدرِكُهُ العُقُولُ، جَلَّ وَعَلَا لَا ذَاتُهُ يُشبِهُ للذَّوَاتِ *** وَلَا حَكَت صِفَاتُهُ الصِّفَاتِ فَردٌ لَنَا بِهِ تَتَمُّ المَعرِفَة *** وَوَاحِدٌ ذَاتًا وَفِعلًا وَصِفَة فَهُوَ القَدِيمُ وَحدَهُ وَالبَاقِي *** فِي القَيدِ نَحنُ وَهُوَ في الإِطلَاقِ وَهُوَ السَّمِيعُ وَالبَصِيرٌ لَم يَزَل *** بِغَيرِ مَا جَارِحَةٍ وَفِي الأَزَل لَهُ كَلَامٌ لَيسَ كَالمَعرُوفِ *** جَلَّ عَنِ الأَصوَاتِ وَالحُرُوفِ أَرسَلَ رُسلَهُ الكِرَامَ فِينَا *** مُبَشِّرِينَ بَل وَمُنذِرِينَا أَيَّدَهُم بِالصِّدقِ وَالأَمَانَة *** وَالحِفظِ وَالعِصمَةِ وَالصِّيَانَة أَوَّلُهُم آدَمُ ثُمَّ الآخِرُ *** مُحَمَّدٌ وَهُوَ النَّبِيُّ الفَاخِرُ وَصَحبُهُ جَمِيعُهُم عَلَى هُدَى *** تَفضِيلُهُم مُرَتَّبٌ بِلَا اعتِدَا فَهُم أَبُو بَكرٍ وَبَعدَهُ عُمَر *** وَبَعدَهُ عُثمَانُ ذُو الوَجهِ الأَغَر ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ بَاقِي العَشَرَة *** وَهِيَ التِي في جَنَّةٍ مُبَشَّرَة وَكُلُّ مَا عَنهُ النَّبِيُّ أَخبَرَا *** فَإِنَّهُ مُحَقَّقٌ بِلا امتِرَا مِن نَحوِ أَمرِ القَبرِ وَالقِيَامَة *** وَكُلِّ مَا كَانَ لهُ عَلامة مِثلُ طُلُوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا *** وَقِصَّةِ الدَّجَّالِ كُن مُنتَبِهَا هَذَا هُوَ الحَقُّ المُبِينُ الوَاضِحُ *** وَبِالذِي فِيهِ الإِنَاءُ نَاضِحُ
الشرح
بيان أن الله تعالى ليس جسما وأنه لا يحويه مكان
مَعرِفَةُ اللهِ عَلَيكَ تُفتَرَض *** بِأَنَّهُ لَا جَوهَرٌ وَلَا عَرَض
الشَّرحُ: أَنَّهُ يَجِبُ مَعرِفَةُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيسَ بِجَوهَرٍ أَي لَيسَ جِرمًا يَأخُذُ حَيِّزًا مِنَ الفَرَاغِ، وَلَيسَ بِعَرَضٍ وَهُوَ صِفَةُ الجِسمِ.
فَائِدَةٌ: العَالَمُ وَهُوَ كُلُّ مَا سِوَى اللهِ إِمَّا جَوَاهِرُ وَإِمَّا أَعرَاضٌ، فَالجَوَاهِرُ إِمَّا جَوهَرٌ فَردٌ وَهُوَ أَصغَرُ حَجمٍ مِمَّا لَا يُرَى بِالعَينِ المُجَرَّدَةِ، وَإِمَّا جِسمٌ وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِن جَوهَرَينِ فَأَكثَرَ، ثُمَّ الجِسمُ إِمَّا جِسمٌ كَثِيفٌ وَهُوَ مَا يُضبَطُ بِاليَدِ كَالإِنسَانِ وَالشَّجَرِ وَالحَجَرِ، وَإِمَّا جِسمٌ لَطِيفٌ وَهُوَ مَا لَا يُضبَطُ بِاليَدِ كَالنُّورِ وَالهَوَاءِ، وَالأَعرَاضِ لَا تَستَقِلُّ بِنَفسِهَا بَل تَقُومُ فِي غَيرِهَا وَهِيَ نَحوٌ مِنَ الأَربَعِينَ كَالأَلوَانِ وَالحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ.
وَلَيسَ يَحوِيهِ مَكَانٌ، لَا، وَلَا *** تُدرِكُهُ العُقُولُ، جَلَّ وَعَلَا
الشَّرحُ: مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوجُودٌ بِلَا مَكَانٍ، فَاللهُ تَعَالَى كَانَ مَوجُودًا قَبلَ المَكَانِ بِلَا مَكَانٍ وَبَعدَ أَن خَلَقَ المَكَانَ لَم يَتَغَيَّر عَمَّا كَانَ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ يَكُونُ لِلمَخلُوقَاتِ، فَالمُتَغَيِّرُ مُحتَاجٌ وَالمُحتَاجُ عَاجِزٌ وَالعَاجِزُ لَا يَكُونُ إِلَهًا، فَسُبحَانَ الَّذِي يُغَيِّرُ وَلَا يَتَغَيَّرُ، وَلَا تُطلَبُ مَعرِفَتُهُ بِالتَّصَوُّرِ، وَلَا تُحِيطُ بِهِ العُقُولُ، فَنَحنُ مَنهِيُّونَ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي ذَاتِ اللهِ مَأمُورُونَ بِالتَّفَكُّرِ فِي مَخلُوقَاتِ اللهِ، كَمَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: (تَفَكَّرُوا فِي مَخلُوقَاتِ اللهِ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللهِ) رَوَاهُ السُّيُوطِيُّ، فَلَيسَ المُرَادُ بِقَولِنَا مَعرِفَةُ اللهِ البَحثُ عَن حَقِيقَةِ اللهِ، بَلِ المُرَادُ أَن نُؤمِنَ بِاللهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِمَّا وَرَدَ فِي الشَّرعِ وَنَقِفَ عِندَ حُدُودِ الشَّرعِ وَلَا نَخُوضَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعرِفُ اللهَ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا اللهُ كَمَا قَالَ ذَلِكَ العُلَمَاءُ.
بيان أن الله تعالى لا شبيه له في الذات والأفعال والصفات
لَا ذَاتُهُ يُشبِهُ للذَّوَاتِ *** وَلَا حَكَت صِفَاتُهُ الصِّفَاتِ
الشَّرحُ: ذَاتُ اللهِ لَا يُشبِهُ ذَوَاتِ المَخلُوقِينَ، وَلَا صِفَاتُهُ تُشبِهُ صِفَاتِ الخَلقِ، قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (أَنَّى يُشبِهُ الخَالِقُ مَخلُوقَهُ) أَي لَا يَصِحُّ عَقلًا وَلَا شَرعًا أَن يُشبِهَ الخَالِقُ مَخلُوقَهُ، وَمَعنَى ذَاتِ اللهِ حَقِيقَةُ اللهِ، وَأَمَّا إِذَا قِيلَ ذَاتُ زَيدٍ أَي جِسمُهُ، وَمَعنَى حَكَت: شَابَهَت.
فَردٌ لَنَا بِهِ تَتَمُّ المَعرِفَة *** وَوَاحِدٌ ذَاتًا وَفِعلًا وَصِفَة
الشَّرحُ: مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ عَرَّفَنَا بِنَفسِهِ أَنَّهُ لَا يُشبِهُ شَيئًا مِن خَلقِهِ وَلَا بِوَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ﴾، [سُورَةُ الشُّورَى: 11]، فَهُوَ سُبحَانَهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِي فِعلِهِ، وَهَذَا أَقصَى مَا يَصِلُ إِلَيهِ الإِنسَانُ مِن مَعرِفَةِ اللهِ، قَالَ الإِمَامُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (غَايَةُ المَعرِفَةِ بِاللهِ الإِيقَانُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى بِلَا كَيفٍ وَلَا مَكَانٍ).
بيان الصفات الواجبة لله تعالى
فَهُوَ القَدِيمُ وَحدَهُ وَالبَاقِي *** فِي القَيدِ نَحنُ وَهُوَ في الإِطلَاقِ
الشَّرحُ: أَنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِيمٌ أَي لَا ابتِدَاءَ لِوُجُودِهِ وَلَا أَزَلِيَّ سِوَاهُ وَهَذَا فِي حَقِّ اللهِ، وَأَمَّا إِذَا أُطلِقَ القَدِيمُ عَلَى المَخلُوقِ فَيَكُونُ بِمَعنَى تَقَادُمِ العَهدِ وَالزَّمَنِ، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ البَاقِي أَيِ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَزُولُ فَلَا يَلحَقُهُ فَنَاءٌ وَلَا مَوتٌ، وَبَقَاءُ اللهِ ذَاتِيٌّ لَيسَ هُنَاكَ مَن أَوجَبَ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةَ وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي الدَّيمُومِيَّةِ، وَأَمَّا إِذَا قِيلَ عَن بَعضِ المَخلُوقَاتِ كَالجَنَّةِ وَالنَّارِ بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ فَبِقَيدٍ وَهُوَ أَنَّ بَقَاءَهُمَا لَيسَ ذَاتِيًّا إِنَّمَا شَاءَ اللهُ لَهُمَا البَقَاءَ.
فَائِدَةٌ: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ إِطلَاقِ القَدِيمِ عَلَى اللهِ بِمَعنَى لَا ابتِدَاءَ لِوُجُودِهِ، ذَكَرَهُ الحَافِظُ الزَّبِيدِيُّ فِي شَرحِ الإِحيَاءِ.
وَهُوَ السَّمِيعُ وَالبَصِيرٌ لَم يَزَل *** بِغَيرِ مَا جَارِحَةٍ وَفِي الأَزَل
الشَّرحُ: أَنَّ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مَوصُوفٌ بِصِفَتَيِ السَّمعِ وَالبَصَرِ، وَهَاتَانِ الصِّفِتَانِ أَزَلِيَّتَانِ أَبَدِيَّتَانِ لَكِن سَمعُهُ وَبَصَرُهُ لَيسَا كَسَمعِ وَبَصَرِ المَخلُوقَاتِ، فَسَمعُهُ سُبحَانَهُ لَيسَ بِأُذُنٍ وَلَا ءَالَةٍ أُخرَى، وَبَصَرُهُ لَيسَ بِحَدَقَةٍ وَلَا ءَالَةٍ أُخرَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، [سورة الشورى: 11]، وَفِي الآيَةِ قَدَّمَ اللهُ التَّنزِيهَ ثُمَّ أَثبَتَ لِنَفسِهِ صِفَتَيِ السَّمعِ وَالبَصَرِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ سَمعَ اللهِ وَبَصَرَهُ كَسَمعِ وَبَصَرِ غَيرِهِ، وَمَعنَى الجَارِحَةِ: العُضوُ.
لَهُ كَلَامٌ لَيسَ كَالمَعرُوفِ *** جَلَّ عَنِ الأَصوَاتِ وَالحُرُوفِ
الشَّرحُ: مَعنَاهُ كَلَامُ اللهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ لَيسَ كَكَلَامِ خَلقِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيسَ حَرفًا وَلَا صَوتًا وَلَا لُغَةً، قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي الفِقهِ الأَكبَرِ: (وَكَلَامُهُ لَا كَكَلَامِنَا، نَحنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلَاتِ مِنَ المَخَارِجِ وَالحُرُوفِ، وَاللهُ مُتَكَلِّمٌ بِلَا آلَةٍ وَلَا حَرفٍ).
الكلام عن الأنبياء عليهم السلام والصفات الواجبة لهم
أَرسَلَ رُسلَهُ الكِرَامَ فِينَا *** مُبَشِّرِينَ بَل وَمُنذِرِينَا
الشَّرحُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرسَلَ أَنبِيَاءَهُ الكِرَامَ بِدِينٍ وَاحِدٍ هُوَ الإِسلَامُ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ، وَمَن يَدِينُ بِغَيرِهِ يَكُونُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلَامُ﴾، [سورة آل عمران: 19]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾، [سورة آل عمران: 85]، فَالأَنبِيَاءُ مُبَشِّرِينَ مَن ءَامَنَ بِالجَنَّةِ وَمُنذِرِينَ مَن كَفَرَ بِالنَّارِ.
فَائِدَةٌ: النَّبِيُّ وَالرَّسُولُ كِلَاهُمَا مَأمُورٌ بِتَبلِيغِ الدَّعوَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾، [سورة البقرة: 213]، وَأَمَّا الفَرقُ بَينَهُمَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ الرَّسُولَ إِنسَانٌ أُوحِيَ إِلَيهِ بِشَرعٍ جَدِيدٍ، وَالنَّبِيَّ غَيرَ الرَّسُولِ هُوَ إِنسَانٌ أُوحِيَ إِلَيهِ لَا بِشَرعٍ جَدِيدٍ بَل يَتبَعُ شَرعَ الرَّسُولِ الَّذِي كَانَ قَبلَهُ وَيُبَلِّغُهُ، لِذَا قَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ: كُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا.
أَيَّدَهُم بِالصِّدقِ وَالأَمَانَة *** وَالحِفظِ وَالعِصمَةِ وَالصِّيَانَة
الشَّرحُ: أَنَّ الأَنبِيَاءَ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمَّلَهُمُ اللهُ بِصِفَاتٍ تَجِبُ لَهُم، فَهُم مَوصُوفُونَ بِالصِّدقِ فَيَستَحِيلُ عَلَيهِمُ الكَذِبُ، وَالأَمَانَةِ فَيَستَحِيلُ عَلَيهِمُ الخِيَانَةُ، وَالصِّيَانَةِ فَيَستَحِيلُ عَلَيهِمُ الرَّذَالَةُ، وَحَفِظَهُمُ اللهُ وَعَصَمَهُم مِنَ الكُفرِ وَالكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الخِسَّةِ قَبلَ النُّبُوَّةِ وَبَعدَهَا، وَأَمَّا المَعصِيَةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا خِسَّةَ فِيهَا وَلَا دَنَاءَةَ فَتَجُوزُ عَلَيهِم لَكِن يُنَبَّهُونَ فَورًا لِلتَّوبَةِ قَبلَ أَن يَقتَدِيَ بِهِم فِي تِلكَ المَعصِيَةِ غَيرُهُم، فَهُم قُدوَةٌ لِلنَّاسِ، وَذَلِكَ كَمَا حَصَلَ مَعَ سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَحَفِظَ اللهُ الأَنبِيَاءَ مِنَ الأَمرَاضِ المُنَفِّرَةِ كَخُرُوجِ الدُّودِ مِنَ البَدَنِ، فَلَا يَجُوزُ اعتِقَادُ أَنَّ سَيِّدَنَا أَيُّوبَ عَلَيهِ السَّلَامُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَخَرَجَ مِنهُ الدُّودُ.
أَوَّلُهُم آدَمُ ثُمَّ الآخِرُ *** مُحَمَّدٌ وَهُوَ النَّبِيُّ الفَاخِرُ
الشَّرحُ: أَنَّ أَوَّلَ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ هُوَ سَيِّدُنَا ءَادَمُ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَكَانَ جَمِيلَ الشَّكلِ، يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ اللُّغَاتِ، وَلَم يَكُن أَخرَسَ، وَلَا عَارِيًا عَنِ الثِّيَابِ، وَلَا شَبِيهًا بِالقُرُودِ، فَمَنِ اعتَقَدَ أَنَّ أَصلَ الإِنسَانِ قِردٌ فَقَد كَذَّبَ القُرءَانَ الكَرِيمَ.
وَأَنَّ ءَاخِرَ الأَنبِيَاءِ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ ﷺ أَرسَلَهُ اللهُ إِلَى الإِنسِ وَالجِنِّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ»، رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَهُوَ النَّبِيُّ الفَاخِرُ الطَّيِّبُ المُعَظَّمُ أَفضَلُ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا فَخرَ»، رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ، وَالفَاخِرُ تُطلَقُ عَلَى مَن هُوَ جَلِيلُ القَدرِ عَظِيمُ.
الكلام عن الصحابة الكرام وترتيبهم في الفضل
وَصَحبُهُ جَمِيعُهُم عَلَى هُدَى *** تَفضِيلُهُم مُرَتَّبٌ بِلَا اعتِدَا
فَهُم أَبُو بَكرٍ وَبَعدَهُ عُمَر *** وَبَعدَهُ عُثمَانُ ذُو الوَجهِ الأَغَر
ثُمَّ عَلِيٌّ ثُمَّ بَاقِي العَشَرَة *** وَهِيَ التِي في جَنَّةٍ مُبَشَّرَة
الشَّرحُ: أَنَّ أَصحَابَ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى هُدًى فَلَا نَذكُرُهُم جُملَةً إِلَّا بِالخَيرِ، وَالصَّحَابِيُّ هُوَ المُؤمِنُ الَّذِي التَقَى بِالنَّبِيِّ ﷺ عَلَى وَجهِ العَادَةِ وَمَاتَ عَلَى الإِيمَانِ.
وَإِنَّ أَفضَلَ الصَّحَابَةِ بِالتَّرتِيبِ:
أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ عَبدُ اللهِ بنُ أَبِي قُحَافَةَ، ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، ثُمَّ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَاحِبُ الوَجهِ الأَبيَضِ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
ثُمَّ بَعدَهُم بَاقِي العَشَرَةِ، وَهُم: طَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَالزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَسَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَسَعِيدُ بنُ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَأَبُو عُبَيدَةَ عَامِرُ بنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ بَشَّرَهُم رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالجَنَّةِ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، لِذَلِكَ أُفرِدُوا بِالتَّسمِيَةِ بِالعَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، وَلَكِن قَد بَشَّرَ الرَّسُولُ ﷺ غَيرَهُم بِالجَنَّةِ كَعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ وَبِلَالٍ الحَبَشِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
الإيمان بأخبار النبي ﷺ: من علامات الساعة وأمر القبر والقيامة
وَكُلُّ مَا عَنهُ النَّبِيُّ أَخبَرَا *** فَإِنَّهُ مُحَقَّقٌ بِلا امتِرَا
الشَّرحُ: أَنَّ كُلَّ مَا أَخبَرَ الرَّسُولُ ﷺ أَنَّهُ يَحصُلُ فَإِنَّهُ مُحَقَّقٌ حُصُولُهُ بِلَا شَكٍّ، فَكُلَّ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ ﷺ فَحَقُّهُ التَّصدِيقُ وَالقَبُولُ، وَمَا عَارَضَ كَلَامَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يُضرَبُ بِهِ عُرضُ الحَائِطِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ * إِن هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحَىٰ﴾، [سورة النجم: 3-4]، وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا مِن أَحَدٍ مِنكُم إِلَّا يُؤخَذُ مِن قَولِهِ وَيُترَكُ غَيرَ رَسُولِ اللهِ»، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوسَطِ.
مِن نَحوِ أَمرِ القَبرِ وَالقِيَامَة *** وَكُلِّ مَا كَانَ لهُ عَلامة
الشَّرحُ: مِن جُملَةِ مَا أَخبَرَ عَنهُ النَّبِيُّ ﷺ وَيَجِبُ الإِيمَانُ بِهِ أَمرُ القَبرِ مِن عَذَابٍ وَنَعِيمٍ، فَعَذَابُ القَبرِ ثَابِتٌ بِالقُرآنِ وَالحَدِيثِ وَإِجمَاعِ العُلَمَاءِ، وَهُوَ يَكُونُ لِلكُفَّارِ وَبَعضِ عُصَاةِ المُسلِمِينَ، وَذَلِكَ كَضَغطَةِ القَبرِ وَالِانزِعَاجِ مِن ظُلمَةِ القَبرِ وَوَحشَتِهِ وَضَربِ الكَافِرِ بِمِطرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ يَسمَعُهَا كُلُّ مَن يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَينِ، وَنَعِيمُ القَبرِ حَقٌّ لِمَن هُوَ مِن أَهلِ النَّعِيمِ، وَذَلِكَ كَشَمِّ رَائِحَةِ الجَنَّةِ وَتَوسِيعِهِ سَبعِينَ ذِرَاعًا فِي سَبعِينَ ذِرَاعًا وَتَنوِيرُهُ بِنُورٍ يُشبِهُ نُورَ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ.
وَيَجِبُ الإِيمَانُ بِالقِيَامَةِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَبدَأُ مِن خُرُوجِ النَّاسِ مِن قُبُورِهِم إِلَى استِقرَارِ أَهلِ الجَنَّةِ فِي الجَنَّةِ وَأَهلِ النَّارِ فِي النَّارِ، وَهُوَ يَومٌ مِقدَارُهُ خَمسُونَ أَلفَ سَنَةٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿فِي يَومٍ كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَةٍ﴾، [سورة المعارج: 4]، وَلَهَا عَلَامَاتٌ تَدُلُّ عَلَى اقتِرَابِهَا وَهِيَ إِمَّا صُغرَى مِثلُ كَثرَةِ الظُّلمِ وَالقَتلِ وَالزَّلَازِلِ وَظُهُورِ المَهدِيِّ وَإِمَّا كُبرَى وَهِيَ عَشَرَةٌ وَإِلَى بَعضِهَا أَشَارَ المُصَنِّفُ فِي البَيتِ الَّذِي يَلِيهِ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ:
مِثلُ طُلُوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا *** وَقِصَّةِ الدَّجَّالِ كُن مُنتَبِهَا
الشَّرحُ: أَنَّ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى طُلُوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا، وَحِينَهَا يُغلَقُ بَابُ التَّوبَةِ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَهِيَ أُولَى عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى.
هَذَا هُوَ الحَقُّ المُبِينُ الوَاضِحُ *** وَبِالذِي فِيهِ الإِنَاءُ نَاضِحُ
الشَّرحُ: أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الأَبيَاتِ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ الوَاضِحُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعرِفَتُهُ مِن أُمُورِ العَقِيدَةِ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيهِ مِئَاتُ المَلَايِينِ مِنَ المُسلِمِينَ وَهُم أَهلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ الَّذِينَ عَلَى شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَعَلَى مَا أَجمَعَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ، وَمَعنَى نَاضِحُ: الإِنَاءُ بِمَا فِيهِ يَنضَحُ أَي يَفِيضُ.
الخاتمة
هَذَا شَرحٌ مُوجَزٌ “لِمُقتَضَى الشَّهَادَتَينِ لِلنَّابُلُسِيِّ” الَّتِي اعتَنَى الشَّيخُ العَالِمُ عَبدُ الغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي كِتَابَتِهَا وَتَعلِيمِهَا بَينَ النَّاسِ لِمَا احتَوَتهُ مِن نَفَائِسَ فِي عِلمِ التَّوحِيدِ أَشرَفِ العُلُومِ وَأَنفَعِهَا، فَطُوبَى لِعَبدٍ عَقَدَ القَلبَ عَلَيهَا وَالتَمَسَهَا طَرِيقًا لِلنَّجَاةِ وَالحَمدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المصادر
هَذِهِ المَسَائِلُ مَجمُوعَةٌ وَمُلَخَّصَةٌ مِنَ:
1 : القُرآنِ الكَرِيمِ.
2 : السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
3 : مُعجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الأَوسَطِ.
4 : الِاعتِقَادِ لِلبَيهَقِيِّ.
5 : إِتحَافِ السَّادَةِ المُتَّقِينَ بِشَرحِ إِحيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لِمُحَمَّدِ مُرتَضَى الزَّبِيدِيِّ.
6 : الفِقهِ الأَكبَرِ لِلإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعمَانِ مَعَ شَرحِهِ لِمُلَّا عَلِيٍّ القَارِي.
ليست هناك تعليقات: